فصل: السؤال الثاني: لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البغوي:

قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك. وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه. وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضا رعد. اهـ.

.قال البغوي:

روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبَرْقٌ} في الصيِّبِ تأويلان:
أحدهما: أنه المطر، وهو قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني: أنه السحاب، قال علقمة بن عبدة:
كَأَنَهَّمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ** صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ

فَلاَ تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمِّرٍ ** سُقِيتِ غَوَادِي الْمُزنِ حِينَ تَصُوبُ

وفي الرعد ثلاثة أوجه: أحدها:
أنه مَلَكٌ ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه، فَسُمِّيَ الصوتُ رعدًا باسم ذلك المَلك، وبه قال الخليل.
والثاني: أنه ريح تختنق تحت السحاب فَتُصَوِّبُ ذلك الصوت، وهو قول ابن عباس.
والثالث: أنه صوت اصطكاك الأجرام.
وفي البرق ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ضرب الملك الذي هو الرعد للسحاب بمخراق من حديد، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثاني: أنه ضربه بسوطٍ من نور، وهذا قول ابن عباس.
والثالث: أنه ما ينفدح من اصطكاك الأجرام.
والصواعق جمع صاعقة، وهو الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار، تحرق ما أتت عليه.
وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل:
أحدها: أنه مَثَلٌ للقرآن، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل، وهذا المعنى عن ابن عباس.
والثاني: أنه مَثَلٌ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.
والثالث: أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلًا بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بصلابته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.
قوله عز وجل: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} معناه يستلبها بسرعة.
{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِم قَامُوا} وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمنافقين، وفيه تأويلان:
أحدهما: معناه كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، وإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه.
والثاني: معناه كلما غنموا وأصابوا من الإسلام خيرًا، اتبعوا المسلمين، وإذا أظلم عليهم فلم يصيبوا خيرًا، قعدوا عن الجهاد.
قوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} فالمراد الجمع وإن كان بلفظ الواحد. كما قال الشاعر:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا ** فَإِنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السماء} الآية.
الصيب: المطر، وقد ضرب الله في هذه الآية مثلًا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر. لأن بالعلم والهدى حياة الأرواح، كما أن بالمطر حياة الأجسام.
وأشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جل وعلا: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} [الأعراف: 58]. وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضًا. فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأَ والعشب الكثير، وكانت منها أَجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأَصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلًا. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أَرسلت به».
قوله تعالى: {فِيهِ ظُلُمَاتٌ}.
ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرآن، بظلمات المطر المضروب مثلًا للقرآن، وبين بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم. لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله: {وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله} [البقرة: 143]. لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يومًا جهة، ويومًا آخر جهة أخرى، كما قال تعالى: {سَيَقُولُ السفهاء مِنَ الناس مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة: 143].
وصرح تعالى بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه الله وقوى يقينه، بقوله: {وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله} [البقرة: 143] وكقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ والشجرة الملعونة فِي القرآن} [الإسراء: 60] لأن ما رآه ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سببًا لاعتقاد الكفار أنه صلى الله عليه وسلم كاذب. لزعمهم أن هذا الذي أخبر به لا يمكن وقوعه. فهو سبب لزيادة الضالين ضلالًا. وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم. فهي سبب أيضًا لزيادة ضلال الضالين ضلالًا. وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم. فهي سبب أيضًا لزيادة ضلال الضالين منهم.
لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم} [الصافات: 64] قالوا: ظهر كذبه. لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار.
وكقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} [المدثر: 31]. لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30]. قال بعض رجال قريش: هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم، واحتلال الجنة بالقوة. لقلة القائمين على النار التي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنا سندخلها.
والله تعالى إنما يفعل ذلك اختبارًا وابتلاء، وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا.
قوله تعالى: {وَرَعْدٌ}.
ضرب الله المثل بالرعد لما في القرآن من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب. وذكر بعضًا منها في آيات أخر كقوله: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [فصلت: 13] الآية- وكقوله: {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَا} [النساء: 47] الآية- وكقوله: {إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46].
وقد ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور. فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون} [الطور: 35]- إلى قوله- {المسيطرون} [الطور: 37] كاد قلبي أن يطير. إلى غير ذلك من قوارع القرآن وزواجره، التي خوفت المنافقين حتى قال الله تعالى فيهم: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو} [المنافقون: 4]، والآية التي نحن بصددها، وإن كانت في المنافقين، فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
قوله تعالى: {وَبَرْقٌ}.
ضرب تعالى المثل بالبرق لما في القرآن من نور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة. وقد صرح بأن القرآن نور يكشف الله به ظلمات الجهل والشك والشرك. كما تكشف بالنور الحسي ظلمات الدجى كقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174] وقوله: {ولكن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] وقوله: {واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157].
قوله تعالى: {والله مُحِيطٌ بالكافرين}.
قال بعض العلماء: محيط بالكافرين: أي مهلكهم، ويشهد لهذا القول قوله تعالى: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] أي: تهلكوا عن آخركم. وقيل: تغلبوا. والمعنى متقارب، لأن الهالك لا يهلك حتى يحاط به من جميع الجوانب، ولم يبق له منفذ للسلامة ينفذ منه. وكذلك المغلوب. ومنه قول الشاعر:
أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا ** بما قد رأوا مالوا جميعًا إلى السلم

ومنه أيضًا بمعنى الهلاك قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [الكهف: 42] الآية. وقوله تعالى: {وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22] الآية. اهـ.

.أسئلة وأجوبة للإمام الفخر:

قال رحمه الله:
وبقي على الآية أسئلة وأجوبة:

.السؤال الأول: أي التمثيلين أبلغ؟

والجواب: التمثيل الثاني، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأغاليظ؛ ولذلك تراهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ.

.السؤال الثاني: لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك؟

الجواب من وجوه: أحدها: لأن أو في أصلها تساوي شيئين فصاعدًا في الشك، ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك.
كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن تجالس أيهما شئت، ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] أي أن الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما، فكذا قوله: {أَوْ كَصَيّبٍ} معناه أن كيفية المنافقين شبيهة بكيفتي هاتين القصتين، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعًا فكذلك.
وثانيها: إنما ذكر تعالى ذلك لأن المنافقين قسمان بعضهم يشبهون أصحاب النار، وبعضهم يشبهون أصحاب المطر، ونظيره قوله تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 135] وقوله: {وَكَم مّن قَرْيَةٍ أهلكناها فَجَاءهَا بَأْسُنَا بياتا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] وثالثها: أو بمعنى بل قال تعالى: {وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] ورابعها: أو بمعنى الواو كأنه قال وكصيب من السماء نظيره قوله تعالى: {أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم} [النور: 61] وقال الشاعر:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ** لنفسي تقاها أو عليها فجورها

وهذه الوجوه مطردة في قوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذلك فَهِىَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] السؤال الثالث: المشبه بالصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق ما هو؟ الجواب: لعلماء البيان هاهنا قولان: أحدهما: أن هذا تشبيه مفرق ومعناه أن يكون المثل مركبًا من أمور والممثل يكون أيضًا مركبًا من أمور ويكون كل واحد من المثل شبيهًا بكل واحد من الممثل، فههنا شبه دين الإسلام بالصيب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلق به من شبهات الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق والرعد؛ وما يصيب الكفرة من الفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق، والمعنى أو كمثل ذوي صيب، والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة: والقول الثاني: أنه تشبيه مركب، وهو الذي يشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر من الأمور وإن لم تكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى وههنا المقصود تشبيه حيرة المنافقين في الدنيا والدين بحيرة من انطفت ناره بعد إيقادها، وبحيرة من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق، فإن قيل الذي كنت تقدره في التشبيه المفرق من حذف المضاف وهو قولك: أو كمثل ذوي صيب هل يقدر مثله في المركب، قلنا لولا طلب الراجع في قوله: {يَجْعَلُونَ أصابعهم في ءاذَانِهِم} ما يرجع إليه لما كان بنا حاجة إلى تقديره.
..............

.السؤال الرابع: ما الصيب؟

الجواب: أنه المطر الذي يصوب، أي ينزل من صاب يصوب إذا نزل ومنه صوب رأسه إذا خفضه وقيل إنه من صاب يصوب إذا قصد، ولا يقال صيب إلا للمطر الجود.
كان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم اجعله صيبًا هنيئًا» أي مطرًا جودًا وأيضًا يقال للسحاب صيب قال الشماخ:
وأسحم دان صادق الرعد صيب

وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل، كما تنكرت النار في التمثيل الأول، وقرئ: {أو كصائب} وصيب أبلغ: والسماء هذه المظلة.